Tuesday, March 27, 2012

البطة السوداء

لاحظت مؤخرا استخدام البعض لعبارة "البطة السوداء" لوصف الشخص الشاذ أو المنبوذ.. الذي قد يغرد خارج السرب. قد يراها البعض صفة سلبية، وقد يعتبرها آخرون صفة لمن ينآى بنفسه عن المعتاد ويتخذ مسارا جديدا لحياته وممارساته اليومية.

أعتقد أنني كنت ولازلت بطة سوداء. في المدرسة حتى وأنا مع صديقاتي المقربات تكثر تعليقاتهن على اختلاف عاداتي وتصرفاتي 
مما كان يحيرني .. وفي الجامعة تعرفت على صديقات إضافيات واستمر التعليق - كله بشكل لطيف وحميمي بالطبع، فقد كنت محظوظة بصداقاتي الجميلة.  أذكر جيدا أن بينهن من كررن هذه الجملة: "نورة، نشعر أحيانا وكأنك انجليزية واسلمت".. يبدو أن إضافة كلمة "أسلمت" كانت تخفف حدة الكلمات.

ومع تلاحق السنوات حرصت أحيانا على أن أخفي ذاك الريش الأسود.، لا أدري إن كان حماية لمشاعري ورغبة مني في الانتماء. ولكنني لم أشعر بالعار من هذا الاختلاف، بل كنت أغذيه ولا أمنعه من أن يكبر ويتشعب. وبين فترة وفترة أصادف بطات سوداوات في مراحل مختلفة من العمر والتطور. لدينا قدرة خارقة نحن البطات السود على التعرف بسرعة على بعضنا البعض، حتى بأقل الكلمات والإشارات. نأخذ العهود على أن نجتمع ثانية، ولكن قلما يحدث هذا. 

ومنذ انطلاقة الفايسبوك وتويتر زاد عددنا، وتنوعت طرق التواصل بيننا، حتى بات البعض ينظّم تجمعات شبه رسمية تجمعنا ويطلق عليها اسماء كانت في الماضي مصدر إحراج لكل من يقع ضحيتها. مثل كلمة 

Geek , or Nerd 

والتي أصبحت مؤخرا "بقدرة قادر" كلمات يفخر بها أصحابها ويتنافسون على الانتماء لها. 

في الحقيقة، بدأت كتابة هذه المدونة وهدفي أن أتحدث عن الأدب والتأليف. ففي الأيام التي تسبق افتتاح معرض أبوظبي للكتاب، ينظم معهد غوته الثقافي الألماني ورشة عمل تقدمها مؤلفة ألمانية لكتب أطفال ويافعين لها من المؤلفات ما يقارب 100 كتاب ومسلسل وفيلم. وقد ترجمت أعمالها للعديد من اللغات. وانضمت لورشة العمل 11 إماراتية تتراوح أعمارهن بين 16 إلى 46 سنة، وقد بدأنا الورشة بالتعريف بأنفسنا لأفاجأ بعدة بطات سوداوات في المجموعة.  لكل مشاركة فكرة لكتاب تعمل حاليا على إعداده وتأليفه. وقد بهرتني أفكارهن (خاصة الصغيرات في السن) وتساءلت أين هي المؤسسات الرسمية في الدولة لتتبنى هذه المواهب التي ستصنع قراء المستقبل؟  صحيح ان المجلس اللإماراتي لكتب اليافعين قد بدأ بالفعل بتشجيع الكتاب الإماراتيين على التأليف عن طريق بعض التجمعات في معارض الكتاب وورش العمل مثل الورشة التي يعدون لإطلاقها أثناء المعرض (6 مؤلفون إماراتيون + 6 رسامون  إماراتيون لصنع 6 كتب للأطفال) إلا اننا نعلم جيدا أن هذا عدد بسيط مقابل المواهب التي لم نتعرف عليها بعد، لأنها ببساطة تعتبر نفسها بطة سوداء وتخفي موهبتها وشغفها بعيدا عن أعين المعلمات والأهل والمؤسسات الرسمية التي لم تمد يدها بل تنتظر أن تطرق بابها الموهبة الخجولة أصلا.

No comments:

Followers